ممارسة حق الشفعة في ضوء تنقيح القانون عدد 29 لسنة 2006 المؤرخ في 15 ماي 2006

Publié le par maitreavocat.over-blog.com

ممارسة حق الشفعة في ضوء تنقيح القانون عدد 29 لسنة 2006 المؤرخ في 15 ماي2006

نوفل قنوني  الأستاذ المحاضر
 الأستاذ رضا الساحلي المشرف على التمرين 

السنة القضائية 2007-2008

avatar106_1.gif

 

الفـــــــهــــــــرس

المقدّمة

- الجزء الأوّل: ممارسة حقّ الشفعة في صورة الإعلام
- الفصل الأوّل: واجبات المشتري
- المبحث الأوّل: واجبات المشتري قبل ممارسة حقّ الشفعة
- الفقرة الأولى: واجب الإعلام
- الفقرة الثانيّة: إجراءات الإعلام
- المبحث الثاني: واجبات المشتري بعد ممارسة حقّ الشفعة
- الفقرة الأولى: واجبات المشتري أثناء ممارسة دعوى الشفعة
- الفقرة الثانية: واجبات المشتري بعد الحكم بالشفعة
- الفصل الثاني: واجبات الشفيع
- المبحث الأول: ممارسة دعوى الشفعة
- الفقرة الأولى: إجراءات قبل رفع الدعوى
- الفقرة الثانية: إجراءات رفع الدعوى
- المبحث الثاني: حلول الشفيع إزاء البائع محلّ المشتري
- الفقرة الأولى: النظام القانوني للحلول
- الفقرة الثانية: الآثار المترتبة عن الحلول
- خلاصة الجزء الأول
- الجزء الثاني: ممارسة حقّ الشفعة في صورة تعذّر الإعلام
- الفصل الأوّل: ممارسة حقّ الشفعة في العقارات المسجلة الخاضعة لمبدأ المفعول المنشئ للترسيم
- المبحث الأول: مجال المفعول المنشئ للترسيم
- الفقرة الأولى: مفهوم المفعول المنشئ للترسيم
- الفقرة الثانية: نطاق تطبيق مبدأ المفعول المنشئ للترسيم والإجراءات المتصلة به
- المبحث الثاني : بداية سريان آجال ممارسة حق الشفعة
- الفقرة الأولى : يوم ترسيم العقد بالسجل العقاري
-الفقرة الثانية : الطبيعة القانونية للترسيم بالسجل العقاري
- الفصل الثاني : ممارسة حق الشفعة في العقارات غير الخاضعة للمفعول المنشئ للترسيم
- المبحث الأول : النظام القانوني للعقارات غير الخاضعة للمفعول المنشئ للترسيم
- الفقرة الأولى : الرسوم المجمدة
- الفقرة الثانية: العقارات غير المسجلة
- المبحث الثاني: بداية سريان آجال ممارسة حقّ الشفعة
- الفقرة الأولى: يوم تسجيل العقد بالقباضة المالية
- الفقرة الثانية: الطبيعة القانونية للتسجيل بالقباضة الماليّة
- خلاصة الجزء الثاني
- الخاتمة
المقدّمة

يعتبر المجتمع وحدة، يتجمّع فيها الأشخاص للعيش والعمل ديدنهم النظام وضمان حقوقهم، ومن الحقوق التي يتوق كلّ شخص لحمايتها نذكر حقّ الملكيّة.

ويرتبط حقّ الشفعة ارتباطا وثيقا بحقّ الملكيّة الذي وجد منذ وجود الإنسان على وجه الأرض، دلك أنّ الملكيّة تتفق وغريزة الإنسان في تملّك الأشياء بل هي استجابة طبيعية لهذه الغريزة التي ظلّت تتطوّر وتترعرع معه مع تغيّر وتطوّر طريقة الاكتساب والتملّك، فكانت الحاجة ملحّة إلى العمل على وضع حدّ لهذه التصرّفات التي من شأنها أن تمسّ بحقوق الغير، وذلك بإقرار قواعد قانونيّة تنظّم هذا المجتمع.

وحماية حقوق الأفراد وممتلكاتهم من البديهات التي جعل منها التشريع الإسلامي الحنيف أهمّ الركائز الأساسيّة التي يقوم عليها الدّين الإسلامي.

فالتملك هو حقّ كل فرد في المجتمع وهو حقّ أقرّه القانون وسعى إلى تمكين كل فرد من التمتّع به بشرط توفر الشروط اللازمة لممارسة هذا الحقّ وذلك من خلال سنّ القواعد القانونيّة الضروريّة للتمتّع بهذا الحقّ.

والتملّك قد يحصل بعوض كالبيع، أو بدونه كالهبة والوصيّة سواء كان العقد بالتقاء إرادتين أو بطريق الجبر به بإرادة فردية شرعيّة قانونيّة، وتعتبر الشفعة أوضح مثال على ذلك، فهي تصرّف فردي سمح به التشريع في نطاق تحديد حقوق الأفراد وتصرّفاتهم.

فقداسة حقّ الملكيّة، لا تعني إطلاقيّته، فقد أضفت عليه نزعة إجتماعيّة ووضعت عليه العديد من القيود التي تحدّ من سلطة المالك .

والشفعة لغة، "بضمّ الشين وسكون الفاء لفظ مشتق من الشفع وهو الضمّ ضدّ الوتر، ويقال شفع الرجل شفعا إذا كان فردا فصار له ثان، والشفيع هو الآخذ بالشفعة، يضمّ حصّة غيره إلى حصّته فتصير شفعا بعد أن كانت وترا" . وجاء تعريف الشفعة إصطلاحا في الفقه الإسلامي وعلى لسان أبرز أيمة المذهب المالكي محمد بن عرفة بأنّها "استحقاق شريك أخذ مبيع شريكه بثمنه" .

وقد عرفها المشرّع التونسي بالفصل 103 من م.ح.ع. بأنّها: "حلول الشريك محلّ المشتري في التملك بمبيع شريكه في الأحوال وبالشروط المنصوص عليها بالفصول الآتيّة".

ويسمّى من له حقّ الشفعة "الشفيع" والعقار الذي تعلّق به هذا الحقّ "المشفوع فيه" والذي وجبت به الشفعة "المشفوع به". وتتميّز الشفعة بطابعها الاستثنائي لأنّها بمثابة القيد الذي يحدّ من حريّة التصرّف في الملكيّة فهي عبارة عن "إحالة جبريّة وقانونيّة لعقد البيع" كما أنّها لا تتسلّط إلاّ على العقارات. وهو ما يميّزها عن بعض المؤسسات الشبيهة بها كحقّ الأولوية في الشراء من ناحيتين على الأقلّ، ففي حين تمارس الشفعة من مالك مناب مشاع بعد حصول البيع الصحيح، يمارس حقّ الأولويّة في الشراء من قبل متسوّغ العقار قبل حصول البيع حيث يلزم القانون مالك العقار الذي يرغب في بيعه بأنّ ينبّه على من يتمتّع بحقّ أولويّة شرائه قبل التفويت فيه.

ومن جهة أخرى تؤدّي الشفعة إلى حلول الشريك محلّ المشتري، أمّا حقّ أولويّة الشراء فيمنح المستفيد منه حقّ التعاقد مباشرة مع المالك قبل إبرام البيع مع أي شخص آخر. إلاّ أنّ حقّ الشفعة وحقّ الأولويّة يفضيان إلى نتيجة واحدة وهي حلول المنتفع بهذه الحقوق محلّ المشتري .

وللشفعة العديد من المزايا، فالمشرّع بإقراره حقّ الشفعة أراد من ناحيّة منع الضرر الذي يسبّبه الشيوع وحماية الشركاء من دخول شخص أجنبي للعقّار المشترك قد يتعذر عليهم معايشته والتصرّف معه في الملك المشترك . ومن ناحية ثانيّة ترمي الشفعة إلى منع تجزئة العقارات وتشتيتها إلى قطع صغيرة لدرجة يصعب معها مواصلة العمل فيها وهو ما ينعكس بدوره على التطوّر الاقتصادي والعقاري.

وتمارس الشفعة في إطار عقد البيع العقاري بنوعيه، بيع العقار المسجّل وبيع العقار غير المسجّل الذي شهد ويشهد بدوره عديد التطوّرات، وذلك بتطوّر المفاهيم والمبادئ التي تحكم قواعده من ذلك الابتعاد تدريجيا عن اطلاقيّة مبدأ سلطان الإرادة والرضائيّة في العقود، ولم يكن المشرّع التونسي بعيدا عن هذا التطوّر بل واكبه وكرّسه في عديد المجالات القانونية وتحديدا في مادّة العقود ومنها عقد البيع العقاري الذي يرتبط التعامل به كأهمّ تصرّف قانوني بميادين أخرى لا أدّل على ذلك ميدان الإشهار العقاري وما يقتضيه ذلك من اتّباع قواعد وشكليّات معينة.

إنّ ما يطرأ على نظام الإشهار العقاري يؤثر بصفة مباشرة على مادة العقود ومنها أساسا عقد البيع العقاري الذي تمارس في إطاره الوحيد والأوحد الشفعة.

فالشفعة هي رخصة ، أو هي تقنيّة خاصّة لإكتساب الملكيّة بالحلول وذلك إمّا رضائيّا وإمّا قضائيّا عن طريق دعوى الشفعة . ولم ينّص المشرّع التونسي ضمن تعريفه للشفعة على أنّها "حقّ" وينسحب هذا الاستنتاج على كامل الفصول المواليّة المنظّمة لهذه المؤسسة وهو ما يؤدّي إلى القول أنّ الشفعة مؤسسة استثنائيّة في يد الشفيع باعتبارها لا تمارس إلاّ في صور معينة وحسب شروط مضبوطة والتي تؤول إلى تحقيق أثر رئيسي وهو الحلول.

وهكذا يتبيّن لنا أنّ الشفعة لا تقوم كرخصة مخوّلة للشريك إلاّ بحصول بيع وبالتّالي قبل حصول البيع، لا مجال للحديث عن هذه الرخصة القانونيّة.

وفي إطار إدخال المشرّع التونسيّ لجملة من التنقيحات على نظام الإشهار العقاريّ وكيفيّة التعامل بالعقار المسجّل ومنه بالخصوص إعادة إحياء وبعث مبدأ المفعول المنشأ للترسيم من جديد ورد توضيحه وتنقيحه للأحكام الإجرائيّة الخاصّة بالشفعة في علاقتها بعقد البيع لعقّار مسجّل وتحديدا تنقيح الفصل 115 من مجلّة الحقوق العينيّة.

ولعلّ ما دفع بالمشرّع التونسي إلى إدخال التحوير الجوهري على الأحكام الخاصّة بالشفعة وخاصّة الفصل 115 المشار إليه هو العلاقة الرابطة بين مؤسسة الشفعة من جهة ومبدأ المفعول المنشئ للترسيم من جهة ثانية باعتبار أنّ الإطار القانوني الوحيد لممارسة الشفعة هو عقد البيع، وهو من أهمّ التصرّفات القانونيّة التي ينطبق في إطارها مبدأ المفعول المنشأ، ولعلّ هذا التنقيح المدخل على الفصل 115 م.ح.ع. يعدّ تنقيحا جوهريا وهامّا باعتباره قلّل من مخاطر ومساوئ الغموض التشريعي لعديد النصوص القانونيّة المنظمّة للشفعة وهي أهميّة مرتبطة شديد الارتباط بأهميّة التنقيح المدخل على نظام الإشهار العقاري، من خلال إدخال مبدأ المفعول المنشئ للترسيم وبعثه إلى الحياة من جديد من خلال القوانين عدد 46 و47 و48 لسنة 1992 المؤرخة في 04 ماي 1992 والتي أقرّت مبدأ المفعول المنشئ للترسيم.

لكن تأجّل انطباق هذا المبدأ ثلاث مرّات تفصل بينها مدّة ثلاث سنوات ليصدر في الأثناء القانون عدد 30 لسنة 1998 المؤرخ في 20 أفريل 1998 ويقرّ نطاق التطبيق التدريجي للمبدأ، إذ ليس كلّ الرسوم تقبل التطبيق وذلك بسبب معضلة الجمود التي تعرقل ذلك، وأصبح المبدأ يشمل فقط الرسوم المقامة بعد سنة 1998 تنفيذا للأحكام الصادرة بالتسجيل والرسوم المحيّنة.

إلاّ أن عدم دخول القوانين الجديدة المكرّسة لمبدأ المفعول المنشئ للترسيم حيز التنفيذ بصفة كليّة وإرجاء العمل بها كان قد انعكس بدوره على آجال القيام بالشفعة، ففي الحالات التي يقع فيها تطبيق هذا المبدأ على العقار المشفوع فيه تكون آجال الشفعة خاضعة لأحكام الفصل 115 من م.ح.ع. المنقّح بموجب قانون 1992 وفي الحالات التي لا يطبّق فيها المبدأ فإنّ آجال الشفعة تكون خاضعة لأحكام الفصل 115 قديم (قبل تنقيح1992).

واعتبارا لخطورة هذه الوضعيّة المزدوجة على حقوق الشركاء في الملك وضمانا لتحقيق هذه المؤسسة الأهداف التي شرّعت من أجلها باعتبارها سببا من أسباب الملكيّة، تدخّل المشرّع مرّة ثانيّة بمقتضى القانون عدد 29 لسنة 2006 المؤرخ في 15 ماي 2006 لتنقيح أحكام الفصل 115 من م.ح.ع.

وتضمن الفصل 115 جديد من م.ح.ع. توضيحا جديدا لممارسة حقّ الشفعة، يتمثّل في أنّ هذا الحقّ يمارس إمّا بموجب الإعلام أو بمقتضى الإشهار. وذلك حرصا من المشرّع على ضمان التوازن بين الحقوق المرتبطة بمالك الحصّة الشائعة من جهة، وبحق الشفيع في تخويله الممارسة الفعليّة لحقّه في الحلول محلّ المشتري في التملّك بمبيع شريكه من جهة أخرى. فأصبح المبدأ في ممارسة هذا الحقّ هو واجب إعلام الشفيع من قبل المشتري بعمليّة الشراء عن طريق عدل تنفيذ مع بيان الثمن والمصاريف وعلى الشفيع أن يقوم بدعواه في ظرف شهر من تاريخ الإعلام وإلاّ يسقط حقّه.

أمّا الاستثناء يكون في صورة تعذّر الإعلام، حيث يمارس الشفيع حقّ الشفعة في آجال ستّة أشهر تحتسب من تاريخ ترسيم العقد بالسجل العقاري في العقّارات المسجّلة الخاضعة لمبدأ المفعول المنشئ للترسيم، ومن تاريخ تسجيل العقد بالقباضة الماليّة في العقارات غير الخاضعة لمبدأ المفعول المنشئ للترسيم.

فالترسيم والتسجيل وسيلتان تحقّقان الوظيفة الإشهاريّة، إضافة إلى أنّ هذا الأجل وضع لمعارضة الشفيع الذي يعتبرغيرا بالنسبة لعقد البيع المبرم بين شريكه البائع والمشتري فهي علاقة احتجاج متّصلة بالإشهار أي بإعلام الشفيع بوقوع ذلك البيع.

فإقرار نظام احتساب جديد لآجال الشفعة يختلف باختلاف الوضعية القانونية للعقارات من شأنه أن يجعل من جهة، القيد المسلّط على حقّ الملكيّة لا ينال من جوهره وذلك بتفادي تعريض هذا الحقّ لأمد غير محدّد في بعض الحالات، من جهة ثانيّة فإن التمييز بين مختلف الوضعيات لا ينال من مبدأ المساواة بين المالكين طالما أن التمييز يقوم على أساس اختلاف نظام ملكيتهم ويرمي إلى تحقيق المساواة الفعليّة بينهم .

إلاّ أنّ التعمّق في محتوى التطبيقات الفقه القضائية يكشف وجود عدّة صعوبات وعراقيل نتيجة تلاعب كلّ من الشريك والبائع والمشتري بحقوق الشريك صاحب الحقّ في ممارسة حقّه في الشفعة.

الأمر الذي أدّى مؤخرا إلى مراجعة الأحكام والإجراءات المنظمّة لممارستها بموجب القانون عدد 29 لسنة 2006 المؤرّخ في 15 ماي 2006، الذي تمّ بمقتضاه إقرار مبدأ وجوبيّة الإعلام وعدم اعتبار المشتري معفى من هذا الواجب إلاّ في صورة تعذّر ذلك عليه للحدّ من المخاطر التي قد تطرأ على حقوق المالكين على الشياع، حتّى تجد هذه المؤسسة مكانتها في المنظومة القانونيّة التونسيّة وتحقّق الأهداف التي شرعت من أجلها باعتبارها سبب من أسباب كسب الملكيّة ولارتباطها الوثيق بحقّ الملكيّة.

ودراسة ذلك تتطلّب تحديد كيفيّة ممارسة حقّ الشفعة في ضوء التنقيح الأخير لسنة 2006؟

وعليه سيتّم التطرّق إلى هذه الإشكاليّة والبحث فيها بالتعرّض للمبدأ وهو ممارسة حقّ الشفعة في صورة الإعلام، (الجزء الأوّل)، قبل الخوض في الاستثناء، وهو ممارسة حقّ الشفعة في صورة تعذّر الإعلام (الجزء الثاني).

 

*الجزء الأوّل: ممارسة حقّ الشفعة في صورة الإعلام.

*الجزء الثاني: ممارسة حقّ الشفعة في صورة تعذّر الإعلام.

الجزء الأوّل : ممارسة حقّ الشفعة في صورة الإعلام

 

 http://www.chawkitabib.info/spip.php?article370

Publié dans Articles Juridiques

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article